WAMA المدير العام
عدد الرسائل : 608 العمر : 36 المزاج : على كيف كيفك دعاء : السٌّمعَة : 0 نقاط : 11 تاريخ التسجيل : 05/04/2008
| موضوع: سمر كلمات.. رواية "العشرون دقيقة" السبت يونيو 21, 2008 5:57 am | |
| المصدر ايلاف أصعب ما على المتلقي أن يجد ذاته مجبرًا على قراءة نص ما بأفكار مسبقة زجتها ظروف المتلقي والكاتب معـًا، كما في رواية طالب الرفاعي الأخيرة (سمر كلمات). خاصة حين تدور أحداث الرواية في شوارع يعرفها هذا القارئ جيدًا، تطوفها شخوص جريئة سهل عليها أن تعبث بعقلية قارئها التي لولا – قليلا من التحكم – لمارس لعبة الكلمات المتقاطعة، محاولا فك شيفرة (سمر) وتلك الساحرة (ريم)؟ والأهم معرفة حقيقــة موقــع الكـاتب (طالب الرفاعي) من (كل) معطيات روايته؟ وأعني (الكل) بالفعل! واقع تهزه إمرأة..! أحداث الرواية لا تتجاوز علاقتين أساسيتين ؛ علاقة المرأة بذاتها وما ترغب به هذه الذات، وعلاقة المرأة بمحيطها الذي يتفنن في رسم ما يفترض ان يكون عليه شكلها وسلوكها، فتبدو مرغمة على مقياس أخلاقي يصنعه الآخرون ولا تملك أن تحرك خيطـًا من خيوطه إلا بالخفاء. الكاتب هنا لم يشتت قارئه بأكثر من ذلك، فعبرت هاتان العلاقتان عن جميع شخصياته، بل حتى الذكورية منها، التي عانت أيضـًا من سطوة المجتمع عليها وإن كانت سطوة ناعمة وغفورة في كثير من الأحيان. أولى هذه الشخصيات (سمر) التي لا تكتفي بأن تقلب موازين حياتها بالاعلان عن رغبتها بالزواج من طليق أختها الكبرى الأستاذة الجامعية(د.عبير)، بل أنها على الجانب الآخر تمارس حرية - لا أعلم حقيقة مدى صحتها في مجتمع كمجتمنا - حيث تعيش مع صديقها (سليمان) دون أي تصريح من الطرفين بطبيعة العلاقة. مكتفية بحياة هادئة تخرجها من قسوة عائلية دمرت فطرتها الجميلة سابقـًا بسبب تجربة زوجية فاشلة، قررت العائلة على إثرها، نبذ الابنة لأن الزوج كان في نظرهم (بيسريًا) دون حسب أو نسب. فعاشت (سمر) كما تريد طالما أنها تبقى بالنسبة لهم الفتاة التي تزوجت (البيسري) سابقا دون أي غفران. لأسباب مغايرة قرر (سليمان) أن يعيش بعيدا عن عقود العلاقات المكتوبة والمرسومة التي لم يجن منها سوى تجربة مريرة راحت على إثرها زوجته الجميلة (دانة) منتحرة بسبب مخاوف لا أساس لها. يتجاوز طالب الرفاعي حرية سمر، بالجميلة ريم، تلك الكويتية/البريطانية التي تبدأ للتو بفتح باب جديد لعلاقة أخرى كاسرة بها حاجز المجتمع والدين معـًا لإمرأة يفتـــرض بها زوجة وأم. مذكـــرًا إيانــا بروايتـه الســابقـة (رائحة البحر) التي واجه بها (الرفاعي) كارثة العلاقات المحرمة التي تمارسها نساء متزوجات في مجتمع صغير يفترض أنه مجتمع محافظة. وهكذا (جاسم) فما يريده بالضبط إمرأة تشبه (سمر)، لكن ما يعيشه من واقع يفرض عليه زوجه مملة، مسيطرة ومغرورة، كأختها (د.عبير) التي لم يعد يربطه بها سوى بنات زجهن (الرفاعي) أيضا في إطار الرغبة والمفروض، حيث يعشن تناقض المجتمع الخليجي الألفيني، العالق برغبات متطرفة لا تعرف الوسطية. فنجــد (دلال) تبحــث عن صــدر تخبئ فيه رأسها المكتظ بمشاكل العائلة، في حين أن أختها (سهى) تكفر من حولها لمجرد أنها تبعت جماعة ما. أما (طالب الرفاعي) فقد اختار أن يكون الخيط الذي يربط كل هذه الشخوص، باحثا بينها عن بوادر رواية يكتبها كما أشار لذلك مرارًا، وكونه الصديق الحميم لسمر وسليمان، رغب باستغلالهم في أن يكونا أبطال روايته التي لن يشتعل فتيلها ان لم توقده إمرأة رائعة كالفاتنة (ريم). بهذا أصبح طالب الروائي والشخصية من أكثر المحفزين على قراءة ما سيأتي، ضمن تقنية تدعم ذلك التحفيز بتعدد الزوايا التي يطرحها الكاتب على لسان الجميع بخصوص موقف واحد وإن تعددت أوجهه.تزامن أثرى الحدث قد لا تكون آلية الكتابة التزامنية..آلية جديدة على الصعيد الروائي خاصة، فقد قرأنا العديد من الروايات العالمية والعربية التي تتخذ من هذه الآلية وسيلة لها للولوج لدواخل شخوصها الرئيسية بطرح نظرتها لحدث وحيد تدور حوله معطيات النص ككل. تحضرني هنا رواية عبدالرحمن منيف (شرق المتوسط) ورواية (مزون) لفوزية شويش السالم، و (مثلث الدائرة) لسعدي يوسف. ورغم ما للآلية من أهمية في تشذيب السياق العام للنص... إلا أن الحدث وقيمته الفعلية في تحريك خيوط العمل، يمثل الركيزة الأساسية التي تحدد طبيعة الآلية التي يحتاجها الأثر الأدبي ذاته، فالحدث الذي تعيشه (مزون) لا قيمة له إذا لم يؤثر على (زوينة) ومن قبلهما (زيانة)، كشخصيات رئيسية شكلت المحفز الروحاني العاطفي لرواية ألهبتنا فيها (الشويش) بذلك التزامن الذي مازال يسكن ذاكرتي رغم مرور سنوات على قراءتي للنص، وهكذا هي رسائل (رجب) وأخته (أنيسة) في (شرق المتوسط) هو يحكي غربته ساعة تتألم، وهي تحكي بالألم ساعة يموت، ونحن نتلقف أحداثا صهرتها جدران السجن وموانيء الغربة من وجهة نظر وحدتها المأساة. ولطالب الرفاعي ما يقوله ضمن هذه التقنية أيضـًا في حدود زمنية قصيرة جدًا لا تتعدى العشرون دقيقة، ضمت العديد من الشخصيات بكل ما تحمل، فتعددت الأوجه التي لم تكتشف إلا بتعدد الأصوات، خاصة وأن رواية (سمر كلمات) مغزولة بالهم الاجتماعي، الخاص ببيئة محددة، العلاقات فيها مرسومة بدقة شديدة وبتمثيل أدق. وبالتالي فإن ما قد نعرفه من (سمر) عن عائلتها، قد نستقبل عكسه تمامـًا حين تنطق به (دلال) ضمن نفاق اجتماعي بات يغلف هذه البيئة بحجج العادات والتقاليد التي نحتها أبناء عائلات، مزيفة كانت أم حقيقية، فصارت البيئة مصدرًا خصبـًا لكاتب جريء عالج المصدر دون أن يتجاهل ما خلفه الزمن من تطورات عنيفة لا يتخيلها من يعيش خارج هذه الدائرة. فإن كنا نشاهد يوميا فتيات كـ (دلال) تعشق بالخفاء، فهذا لا يعني أننا نلتقي بسهولة بشابة كـ (سمر) بحريتها التي أفرطت في ممارستها لدرجة أن تواجه العائلة بما لا يمكن استيعابه في حدود تلك البيئة المعجونة بالشكليات فقط.
حين تكون الكويت مكانـًا لرواية...! للرواية البحثية أثرها العميق بلاشك، ويأتي الرونق البحثي عادة، بدافع أحداث فرضت على كتابها أماكن وأزمنة معينة تسحر الكاتب قبل القارئ بخصوصية ما. وما جاء في (سمر كلمات) من بحث روائي، لا يشبه ما اعتدنا عليه من تمكين لخصوصية المكان أو الزمان كما في رواية (أرض السواد) لعبدالرحمن منيف، حجر على حجر للشويش، أو كما في معظم روايات أمين معلوف على سبيل المثال. وما قدمه طالب الرفاعي نستطيع أن نطلق عليه، بـ (البحث الكامن)، أي ذلك البحث المرتبط بأمكنة أو أزمنه عرفها الكاتب مسبقا وباتت ضمن مخزونه المعرفي تلقائيًا. بالتالي حين يرتبط النص بمخزون (زماني/مكاني) سابق يتطلب الأمر من الكاتب محاولة بسيطة لنبش ذلك المخزون وتحفيزه لخدمة ظروف العمل الجديد كما في رواية (الحزام) لأحمد أبو دهمان مثلا، أما إذا كان المكان الآني هو المشـّـكل الأساسي لأحداث النص وشخوصه كما في رواية (الرفاعي)، فالأمر لا يحتاج منه سوى ترتيب بسيط لذلك المخزون من أجل شخوص ارتبطت بمكان بات من الحداثة والتمدن بحيث لا يستدعي من الكاتب جهدا بحثيا كبيرا عدا ذلك التخطيط الذهني لرسم شوارع حديثة بأبنيتها لا أكثر. بالتأكيد أن (طالب) لم يحتج لأن يبحث عن شوارع الكويت، بأسمائها التي يحفظها بلاشك، لكنني أعتقد أنه احتاج لتدوينها أو على الأقل لتحفيز معلوماته وذكرياته الكامنة عنها، لاستدعاء تلك الأسماء والاستعانة بها في رواية يشكل المكان فيها أهمية كبيرة، فالشخصيات تلتقي أحيانا في تلك الشوارع، تتلقى مكالماتها الهاتفية وهي تجوبها، كما أنها لا يحلو لها البوح بخباياها وأسرارها إلا وهي تفترش سيارات فارهة وقلوب مكسورة، والشوارع التي أعنيها والتي عناها (الرفاعي) من قبلي، اختيرت بعناية تتناسب وطبيعة الشخصيات، فارتبطت بمناطق عرفت بالتعصب العائلي ونظرتها الدونية للآخر رغم الظروف المدنية لمجتمع بات شكليًا يشبه بعضه البعض إلى حد كبير. وتتسم هذه المناطق ذاتها بمساحة من الحرية التي كانت متاحة نوعا ما لـ (سمر) قبل نقطة التحول في رغبتها الزواج من طليق أختها الكبرى، وباختيار (طالب) للشوارع الموازية لبحر الخليج يكون قد منحنا احساسـًا يتناسب وشخصياته حيث الحيوية التي لا تفارق (ريم) و (سمر) والانطلاق الذي اتسمت به هذه الأخيرة تحديدًا.
أن تكون الزوجة بطلة لرواية!
كما بدا لي، فان رواية طالب الرفاعي الأخيرة (سمر كلمات)، لايمكن قراءتها بمعزل عن متعلقاتها الشخصية الخاصة بكاتبها، حيث أوجد الكاتب لنفسه مكانـًا بارزًا بين شخوصه، فتلاعب بحياته كما فعل بحياواتهم. وأمطرنا بما حدث بالفعل، أو ما تمنى أن يحدث، أو ما أملته عليه طبيعته ككاتب في أن يتصور ما قد يحدث. ورغم أني كقارئة لا أعاني من داء (الإحالة) الذي يمارسه غالبية القراء حين يجدون أنفسهم مضطرين للبحث والتحري، لدراسة خيوط النص وماهية علاقتها ببعضها البعض. إلا أن معرفة محيط الكاتب، مهما كانت معرفة محدودة، تظل تلح على متلقي العمل كلما تصادف أن مرّ بكلمات تشي بهذا المحيط.أتذكر هنا ظروف قراءتي لرواية (المسرات والأوجاع) للرائع فؤاد التكرلي، حين ظلت مهنة البطل (توفيق) تلح علي كلما وجدتني أمام مشاهد تتجاوز الممنوع والمتعارف عليه في رواية مجنونة باللذة والألم لبطل تتطابق الكثير من صفاته (المهنية) خاصة مع كاتبها، وحين إلتقيت (التكرلي) في (دن هاخ) في هولندا، كنت مشغولة بفكرة الحياة الشائكة التي عاشها البطل في حين أنني بالمقابل أمام رجل مهيب، ملامحه المسنة شكلت وقارًا يحفه طوال الأيام التي عرفناه بها في بلد جانسها هدوءه وعفويته الفطرية. أما طالب الرفاعي، في نصه الأخير (سمر كلمات) فقد تخطى كل خيال قد يراود المتلقي بينه وبين ذاته وبين ما يقرأ، حين أعلنها في الصفحات الأولى، مصرحـًا باسمه، وظروفه الأخرى التي يعرفها غالبية مريدي الوسط الثقافي الكويتي خاصة. فهو الروائي، وهذه زوجته الدكتورة (شروق) - قدمها في الرواية أيضا كإحدى زميلات الدكتورة عبير - وتلك فتاتيه (فرح) و(فادية)، وجميع الشخصيات الأخرى قد تكون، من عرف أو من تمنى أن يعرف. وككاتبة.. أحمل تاء مربوطة، لابد أن أحيي الدكتورة (شروق) زوجة طالب الرفاعي قبل أن أحييه هو شخصيـًا. عن نفسي لا أعلم مدى قدرة إمرأة على تقبل رواية تحمل بين طياتها جرأة زوجها الكاتب على ذاته، وجزءًا خطيرًا من حياته..حتى وان كان ذلك ضمن نص مجال خياله يتجاوز واقعه بالتأكيد... بذلك أجد أن (شروق) هي البطلة الحقيقية لمثل هذه الرواية الشائكة. بطلة موضوعيــة، هادئــــة، شاركـت بشكل غيــر مباشــر في تتطـويع أفكــار زوجهـــا(الجريئة) لخدمة نتاج هي أكثر من يعلم حقيقة أحداثه من عدمها. نتاج ينسب لها كثيرا من روحه التي لولا وعيها لباتت هذه الرواية تشبه روايات كثيرة تتمنى وتعجز عن كتابة ما تتمناه.
الخبث مقبول أحيانـًا! للرفاعي مجموعات قصصية عديدة ساهمت في نضجه الروائي وان لم تكن ذات أثر كبير حين طرحت وقتها، باستثناء بعض النصوص المميزة. إلا أن المتابع لتلك المجموعات أو لنقل لمعظم نتاج (الرفاعي) السابق يلحظ تلك الجرأة التي بدت خفية في بعض النصوص وصريحة في بعضها الآخر، لكنه فاجأنا بـ (سمر كلمات) المعجونة بالجرأة المكشوفة، كونه واحدًا من بين شخوص واقعية قد نلتقيها في حياتنا اليومية، بعيدًا عن بعض الحكايات الفانتازية التي مهما اتسمت بالجرأة يبقى للكاتب فيها مجال للتنصل منها كما في (مرآة الغبش) احدى قصص طالب القصيرة المميزة بالجرأة والتشويق باطار غرائبي جميل. وبهذا تشكل واقعية الشخصيات في روايته الأخيرة (الطـُـعم) الذي رماه (طالب) لقراء نصبوا شباك الشك والحيرة لرواية جريئة جدًا. وبالرغم من أن (الرفاعي) لم يمتلك جرأة مربكة كما فعل ماريو بورغاس يوسا في رائعته (امتداح الخالة) إلا أنه وبلاشك كان جريئا حين قرر أن يكتب عن علاقات مجتمع يدعي المحافظة دائما وينادى بها، وأن يكون هو (أي الكاتب ذاته) مشاركا في إحدى تلك العلاقات. والعلاقات التي عنيتها لا تدور في دائرة حب متعارف عليه وان كان مرفوضا في مجتمعات بعينها، إنما الجرأة هنا أن تكون هذه العلاقات منبوذة نهائيا ومن غالبية المجتمعات تقريبًا، فـ(ريم) مثلا ما هي إلا سيدة متزوجة يفترض أنها شغلت بطالب الرفاعي (كما تقول الرواية) الذي يمارس خبثه علينا فينهي روايته قبل أن نقرأ الجزء المثير فيها والمتمثل في لقائه بريم،بل أنه يطيح بأفكارنا التي تحوم حول معرفة ماهية العلاقة بينهما، وما إذا كانت حقيقة أم خيال، فيقوم طالب (مرة أخرى) بالتخابث علينا بأن يشككنا أساسا بوجود مثل هذه العلاقة، حتى أن ريم ذاتها – بعد أن تحدثت عن علاقتها بطالب – عادت لتدعي أنها لم تكن يومـًا لترتبط بعلاقة مع رجل آخر! ولعبة الخبث هذه، لعبة أستسيغها من فن الرواية فقط، لأن القارئ والرواية وحيدان كشخصين يدعيان الصداقة في حين أنهما يذوبان عشقا، ومن أجل هذا العشق، ولأجل محظورات منع التصريح به، يبدأ التخابث الجميل، الذي لا ينطق به إلا حبيب تقبله بعلاته، ورواية تقبلها بقسوتها عليك، حتى وان تمثلت قسوتها بنهايات مبتورة تشي بكاتب يخفي أكثر مما يعلن.
| |
|